(الاندهاش) هو صفة الفلاسفة

أي أن الاندهاش ملازما لهم؛ لذلك هم يتأملون في كل شيء ويتوقفون عند كل ظاهرة أو حادثة أو موقف مهما تكرر معهم ويستخرجون منه تجربة جديدة. ولو أخذنا هذه الفكرة وطبقناها على أنفسنا نجد أننا في مرحلة ما (كلنا فلاسفة). ولكن الفارق، هو أن اندهاشنا يتوقف بعد المرة الأولى. مثل اللوحة التي نراها لأول مرة.. نتوقف عندها ونتأملها ونتمعن فيها.. ثم بعد ذلك، تتحول إلى منظر مألوف وما تلبث أن تتلاشى من مجال رؤيتنا.

هذه اللوحة.. هي حياتنا حين تتحول إلى روتين.. بكل ما فيها.. لا نتوقف أمام الأشياء ولا نتأملها ولا نندهش من أي شيء.. إلا نادرا جدا.

هذه سيدة تروي قصتها، تقول: (كانت حياتي تسير بوتيرتها المعتادة.. كل شيء روتينيا.. حياتي كلها أصبحت لوحة غير مرئية رغم جمالها وطيب عيشها. وفي ظل ذلك (الاعتياد) على ما حولي، كنت أتوقف عند الأمور الصغيرة -تلك التحديات الصغرى التي لا تخرج عن المألوف؛ مثل رغبتي في الحصول على ساعة يد جديدة مثلا-. وكانت تعظم في عيني، وتصبح شوكة في قلب فرحتي بالحياة، إذا كان في الحياة فرحة).

قبل (5) سنوات أصيبت هذه السيدة بمرض عضال في الثدي -أجارنا الله وإياكم-.. ودخلت في دوامة النهايات.. وأصبحت فكرة الموت هي هاجسها الوحيد. وأخذ تفكيرها مُنحنى آخر.. منحنى الندم والحسرة. أصبحت تفكّر في كل الصراعات التي عاشتها مع الآخرين؛ سواء زملاء أو أصدقاء أو أقارب.. وتفكّر في كل ما كانت تسعى خلفه من أمور الدنيا وتصارع من أجله.. واكتشفت أن كل ذلك (.. فعلا ما يسوى) كما تقول. وبدون الدخول في تفاصيل مراحل العلاج، شُفيت ولله الحمد من المرض، وتم تشخيصها (سليمة تماما).

تقول: (.. الآن أصبحت أفكر بشكل مختلف.. أقدّر كل دقيقة في حياتي.. عادة (شهيتي) للحياة بأدق تفاصيلها.. نسمة هواء عليلة، كوب قهوة معد بشكل جيد، لعب أطفالي وفضولهم، صديقاتي وخططهم الترفيهية الفاشلة.. كنت أظن أنني بعد الشفاء سيصبح هاجسي الموت.. ولكني فوجئت أنني لأول مرة أعرف معنى الحياة والحمد لله).

حقوق الصورة البارزة: nomadsoul1 - Freepik